إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً))، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)). أما بعد :

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة .

معاشر المؤمنين، يقول ربنا جل وعلا في شأن فرعون وقومه: ((فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)).

دين الإسلام دين تفاؤل واستبشار وسعادة وحبور، وانقياد لله سبحانه وتعالى واستسلام، عليه يتوكل المتوكلون، وإليه يسعى المتقون.

قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان الناس يعيشون في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، يردهم كل ناعق، ويصدهم صوت طائر، خيالات وخرافات، وأوهام ومنكرات، وقد كان من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام وحذر منها: التشاؤم.

والتشاؤم والشؤم ضد اليُمن الذي هو البركة، ويقال: رجل مشؤوم على قومه أي: جرَّ الشؤم عليهم، ورجل ميمون أي: جرَّ الخير والبركة واليمن على قومه.

التشاؤم سوء ظن بالله سبحانه وتعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى على كل حال.

وقد ورد النهي والوعيد في التطير، وهو التشاؤم بالشيء بما يقع من المرئيات أو المسموعات في قلوب أهل الشرك والعقائد الضعيفة، الذين لا يجعلون توكلهم على الله عز وجل، وأصله التطير بالسوائح والبوارح من الطير والظباء والنجوم وغير ذلك، فكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر، وإنما هو خواطر وحدوس، وتخمينات لا أصل لها.

قال الله عز وجل: ((أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ))، بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة، أن التطير من أعمال المشركين، وأنه مذموم شرعًا، فقد كان قوم فرعون إذا أصابهم غلاء وقحط وشدة، زعموا أن ما أصابهم من البلاء بشؤم موسى وقومه، كما ذكر الله عز وجل عنهم، ((وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ)) فيرد الله عليهم: ((أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)) أي: أن ما أصابهم من بلاء، إنما هو بقضاء الله وقدره، بسبب كفرهم وذنوبهم وتكذيبهم موسى عليه السلام، ثم وصف أكثرهم بالجهالة، لأن موسى عليه السلام رسول رب العالمين، ما جاء إلا بالخير والبركة والفلاح لمن آمن به واتبعه.

وقال ربنا جل وعلا: ((قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ)) بين سبحانه وتعالى أيضًا حال المشركين لما كذبوا الرسل وأصيبوا بالبلاء فتشاءموا، زعموا أن سببه ما جاء من قبل الرسل، كما ذكر الله عز وجل قولهم: ((قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ)) فرد الله عليهم: ((قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ))، فما أصاب هؤلاء المشركين من البلاء إنما هو بقضاء الله وقدره، بسبب ذنوبهم، فإن الرسل ما جاءت إلا بالخير والبركة لمن اتبعهم.

وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) وزاد مسلم: (ولا نوء ولا غُول) كانت حياة الجاهلية مليئة بالخرافات والأوهام، وقد نفى صلى الله عليه وسلم ما كان يعتقده أهل الجاهلية، مثل اعتقاد أن الأمراض تعدي بنفسها، فنفى صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (لا عدوى) فالأمراض لا تعدي بنفسها، إنما بتقدير الله سبحانه وتعالى، ولا تعارض بين هذا الحديث في نفي العدوى وبين الأحاديث الأخرى كقوله صلى الله عليه وسلم: (فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد) إذ إن على المرء أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى، مع اجتناب الأسباب التي تكون سببًا للبلاء، لقوله عز وجل: ((وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)).

وكان من خرافاتهم في الجاهلية أيضًا: التشاؤم بمرئي أو مسموع من الأماكن أو الطيور، ومنه إن صاح طير البوم بالليل عند وقوعه على الدار تشاءم أهلها، وتوقعوا موت أحد منهم، وقد نفى صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (ولا طيرة ولا هامة) فالطيور من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، لا أثر لها في حكم الله وقضائه. مرَّ طائر يصيح فقال رجل: خير خير، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا خير ولا شر"، أنكر عليه لئلا يعتقد تأثيره. ومن ألفاظ الجاهلية التي يتلفظ بها بعض الناس قولهم: خير يا طير.

ومن التشاؤم كذلك: التشاؤم بالأرقام، كرقم ثلاثة عشر، الذي يتشاءم منه النصارى، ومن التشاؤم كذلك: التشاؤم بالأيام، وكذا بتشبيك الأصابع، أو كسر العود، أو ربط القماش عند عقد الزواج، فيتشاءم البعض بالفرقة بين الزوجين .

ومن التشاؤم أيضًا: التشاؤم بالأشخاص، كقوله: فلان وجهه نحس، أو التشاؤم بالألوان، كاللون الأسود وأنه علامة الحزن، أو ما يقوم به بعض الناس عند فتح المصحف طلبًا للتفاؤل عند سفر أو تجارة أو نحوها، فإذا وقع نظره على آية فيها ذكر الجنة تفاءل وأقدم على عمله، وإن وقع نظره على آية فيها ذكر النار تشاءم أو أحجم عن السفر، وهذا يشبه عمل أهل الجاهلية الذين كانوا يستقسمون بالأزلام.

ومن خرافات الجاهلية: التشاؤم بشهر صفر، فقد كان أهل الجاهلية لا يتزوجون فيه، فنفى صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد بقوله: (ولا صفر) فشهر صفر كبقية الشهور، لا أثر له في حكم الله وقضائه.

وكذلك من خرافات الجاهلية: الاعتقاد الباطل في النجوم وبعض الشياطين، فقد كان أهل الجاهلية يعتقدون أن النجوم لها أثر في إنزال المطر، وأن الغول تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفى صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (ولا نوء ولا غول) فالنجوم ليس لها أثر في إنزال المطر، والغول وغيرها من الشياطين لا تستطيع أن تضل أحدًا أو تهلكه، ويشرع للمسلم الاستعاذة بالله من شرها.

فالواجب على المسلم أن يكون حذرًا من هذه الاعتقادات الباطلة، فإن المتطير قطع توكله على الله، واعتمد على غير الله عز وجل، والمسلم يتوكل على ربه، الذي بيده مقاليد الأمور، ولا ترده هذه الأوهام والخرافات عن حاجته.

معاشر المؤمنين، في الحديث عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال صلى الله عليه وسلم: الكلمة الطيبة) خرجاه في الصحيحين.

في هذا الحديث العظيم بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل، لما فيه من إدخال السرور على النفس، من غير اعتماد عليه .

والفرق بين الطيرة والفأل، أن الطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، مثل أن يعزم المرء على سفر أو زواج، فيرى أو يسمع ما يكره، فيترك ما عزم عليه، وحكمها شرك أصغر، وفيها سوء ظن بالله سبحانه وتعالى، من غير سبب محقق، وإنما هي أوهام وخيالات، واعتماد القلب على غير الله عز وجل.

أما الفأل فإنه لا يكون إلا فيما يسر، وفسره صلى الله عليه وسلم بالكلمة الطيبة يسمعها الإنسان، فيُسر ويقوى رجاؤه وثقته بالله سبحانه وتعالى، مثل أن يكون الإنسان مريضًا فيسمع من يقول يا سالم، فيقع في ظنه أنه يشفى من مرضه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، لما فيه من إدخال السرور على النفس من غير اعتماد عليه، وهو مستحب لما فيه من حسن الظن بالله سبحانه وتعالى، ((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)).
للشيخ: سلطان بن عبد الرحمن العيد
للمزيد من المقالات زوروا هذا الموقع:
http://sultanal3eed.com/sultan/article/2


،،،،،،،،،،،،،

قام بتفريغ المادة أحد الإخوان الفضلاء غفر الله له ولوالديه وبارك فيه ورزقه العلم النافع والعمل الصالح