قال ابن القيم رحمه الله:
قال ابن القيِّم: «إيَّاك والمعاصِيَ، فإنَّها أزالتْ عِزَّ ﴿اسْجُدُوا﴾ [البقرة: 34]، وأخرجتْ إقطاع ﴿اسْكُنْ﴾[البقرة: 35]. يَا لَهَا لَحْظَةً أثمرتْ حرارة القلق ألفَ سنةٍ ما زال يكتب بِدَمِ الندم سطورَ الحزن في القَصص، ويُرسلها مع أنفاس الأسف، حتَّى جاءه توقيعُ ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 37].
فرح إبليسُ بنزول آدمَ من الجنَّة، وَمَا علم أَنَّ هبوط الغائص فِي اللُّجةِ خلف الدرِّ صعُودٌ.
كم بَين قَوْله لآدَم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30] وقولِه لك: ﴿اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾[الإسراء: 63].
ما جرى على آدم المُرَادُ من وجوده «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا» [مسلم (2749)].
يَا آدمُ لا تجزع من قولي لَك: «اخْرُجْ مِنْهَا»، فلك ولِصالحِ ذريَّتك خلقتُها.
يا آدمُ كنتَ تدخل عليَّ دُخُول الْمُلُوك على الْمُلُوك، وَالْيَوْمَ تدخل عليَّ دُخُول العبيد على الْمُلُوك.
يَا آدم لا تجزعْ من كأس زللٍ كانت سبب كيسك فقد استخرج منك داء العُجب وأُلبستَ خِلعةَ العبودية، ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرهُوا﴾ [البقرة: 216].
يَا آدم لم أُخرِجْ إقطاعك إلى غيرك، إنَّما نحَّيْتُك عنه لأُكملَ عمارته لك، وليبعثَ إلى العمَّال نفقةَ ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾ [السجدة: 16].
تالله ما نفعه عند معصيته عزُّ: ﴿اسْجُدُوا﴾ [البقرة: 34]، ولا شرفُ: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ﴾ [البقرة: 31]، ولا خصيصةُ: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75]، ولا فخرُ: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: 29]، وإنَّما انتفع بذلِّ: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23].
لمَّا لبِس دِرْعَ التوحيد على بدن الشكر وقع سهمُ العدوِّ منه في غير مقتلٍ فجرحه فَوُضع عليه جبَارُ الانكسار، فعاد كما كان فقام الجريح كأنْ لم يكن به قلبة».
[«الفوائد» لابن القيِّم (36)]