الرئيسيةالتسجيلمكتبي  الرسائل الخاصةالبحثالخروج

  
 


  
أهلاوسهلا بك الي ملتقي الرسالة ملتقى الرسالة.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
 


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
!~ آخـر 10 مواضيع ~!
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ‏)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (العِبرةُ من وداع العام‏)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ‏)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ‏)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أوَّابٌ‏)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ بَلاَءٌ وَفِتْنَةٌ ‏)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مطوية (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)
الخميس أبريل 09, 2020 8:54 am
الإثنين ديسمبر 30, 2019 8:16 am
الثلاثاء ديسمبر 17, 2019 9:02 am
الثلاثاء ديسمبر 10, 2019 2:43 pm
السبت ديسمبر 07, 2019 11:23 am
الجمعة ديسمبر 06, 2019 8:54 pm
الخميس يونيو 08, 2017 3:53 pm
الإثنين يونيو 05, 2017 3:05 pm
السبت يونيو 03, 2017 12:23 pm
الثلاثاء مايو 30, 2017 12:23 pm
إضغط علي شارك اصدقائك اوشارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!



 

 كتاب التوحيد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو لقمان

avatar


عدد المساهمات : 415
تاريخ التسجيل : 10/11/2015

كتاب التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: كتاب التوحيد   كتاب التوحيد Emptyالخميس ديسمبر 03, 2015 10:37 am

بسم الله الرحمن الرحيم
القول المفيد - المجلد الأول : كتاب التوحيد - 1 محمد بن صالح العثيمين
------------------------------------------------
وقول الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذريات: 56] الآية.
الآية الأولى قوله تعالى: (وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون). قوله: (إلا ليعبدون) استثناء مفرغ من أعم الأحوال؛ أي: ما خلق الجن والإنس لأي شيء إلا للعبادة. واللام في قوله: (إلا ليعبدون) للتعليل، وهذا التعليل لبيان الحكمة من الخلق، وليس التعليل الملازم للمعلول؛ إذ لو كان كذلك للزم أن يكون الخلق كلهم عباداً يتعبدون له، وليس الأمر كذلك، فهذه العلة غائية، وليست موجبة. فالعلة الغائية لبيان الغاية والمقصود من هذا الفعل، لكنها قد تقع، وقد لا تقع، مثل: بريت القلم لأكتب به؛ فقد تكتب، وقد لا تكتب. والعلة الموجبة معناها: أن المعلول مبني عليها؛ فلابد أن تقع، وتكون سابقة للمعلول، ولازمة له، مثل: انكسر الزجاج لشدة الحرة. قوله: (خلقت)، أي أوجدت، وهذا الإيجاد مسبوق بتقدير، وأصل الخلق التقدير. قال الشاعر. ولأنت تفــري مـا خلقـت وبعض الناس يخلق ثم لا يفري قوله: (الجن): هم عالمُ غيبيُ مخفيُ عنا، ولهذا جاءت المادة من الجيم والنون، وهما يدلان على الخفاء والاستتار، ومنه: الجَنة، والجِنة، والجُنة. قوله: (الإنس) سموا بذلك، لأنهم لا يعيشون بدون إيناس، فهم يأنس بعضهم ببعض، ويتحرك بعضهم إلى بعض. قوله: (إلا ليعبدون) فُسِّر: إلا ليوحدون، وهذا حق، وفُسِّر: بمعنى يتذللون لي بالطاعة فِعلاً للمأمور، وتركاً للمحظور، ومن طاعته أن يوحد سبحانه وتعالى؛ فهذه هي الحكمة من خلق الجن والإنس. ولهذا أعطى الله البشر عقولاً، وأرسل إليهم رسلاً، وأنزل عليهم كتباً، ولو كان الغرض من خلقهم كالغرض من خلق البهائم؛ لضاعت الحكمة من إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ لأنه في النهاية يكون كشجرة نبتت، ونمت، وتحطمت، ولهذا قال تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) [القصص: 85]؛ فلابد أن يردك إلى معادٍ تجازى على عملك إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وليست الحكمة من خلقهم نفع الله، ولهذا قال تعالى: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) [الذريات: 57]. وأما قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له) [البقرة: 245]. فهذا ليس إقراضاً لله سبحانه، بل هو غنيُّ عنه، لكنه سبحانه شبه معاملة عبده له بالقرض؛ لأنه لا بد من وفائه، فكأنه التزامُ من الله سبحانه أن يوفى العامل أجر عمله كما يوفي المقترض من أقرضه.
* * *
وقوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل: 36]
الآية الثانية قوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل: 36]. قوله: (ولقد): اللام موطئه لقسم مقدر، وقد: للتحقيق. وعليه؛ فالجملة مؤكدة بالقسم المقدر، واللام، وقد. قوله: (بعثنا)؛ أي: أخرجنا، وأرسلنا في كل أمة. والأمة هنا: الطائفة من الناس. وتطلق الأمة في القرآن على أربعة معانٍ: أ- الطائفة: كما في هذه الآية. ب- الإمام، ومنه قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله) [النحل: 120]. ج- الملة: ومنه قوله تعالى: (إنا وجدنا آباءنا على أمة) [الزخرف: 23]. د- الزمن: ومنه قوله تعالى: (وادكر بعد أمة) [يوسف: 45]. فكل أمة بعث فيها رسول من عهد نوح إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والحكمة من إرسال الرسل: أ- إقامة الحجة: قال تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلاً يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) [النساء: 165]. ب- الرحمة: لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء: 107]. ج- بيان الطريق الموصل إلى الله تعالى، لأن الإنسان لا يعرف ما يجب لله على لوجه التفصيل إلا عن طريق الرسل. قوله: (أن اعبدوا الله) أن: قيل تفسيرية، وهي التي سبقت بما يدل على القول دون حروفه؛ كفوله تعالى: (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) [المؤمنون: 27]، والوحي فيه معنى القول دون حروفه، والبعث متضمن معنى الوحي؛ لأن كل رسول موحى إليه. وقيل: إنها مصدرية على تقدير الباء؛ أي: بأن اعبدوا، والراجح الأول؛ لعدم التقرير. أي: تذللوا له بالعبادة، وسبق تعرف العبادة(1). قوله: (واجتنبوا الطاغوت) أي: ابتعدوا عنه بأن تكونوا في جانب، وهو في جانب، والطاغوت: مشتق من الطغيان، وهو صفة مشبهة، والطغيان: مجاورة الحد؛ كما في قوله تعالى: (إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية) [الحاقة: 11]؛ أي: تجاوز حده. وأجمع ما قيل في تعريفه هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله بأنه: "ما تجاوز به العبد حده من متبوع، أو معبود، أو مطاع". ومراده من كان راضياً بذلك، أو يقال: هو طاغوت باعتبار عابده، وتابعه، ومطيعه؛ لأنه تجاوز به حده حيث نَزَّله فوق منزلته التي جعلها الله له، فتكون عبادته لهذا المعبود، واتباعه لمتبوعه، وطاعته لمطاعه طغياناً لمجاوزته الحد بذلك. فالمتبوع مثل: الكهان، والسحرة، وعلماء السوء. والمعبود مثل: الأصنام. والمطاع مثل: الأمراء الخارجين عن طاعة الله، فإذا اتخذهم الإنسان أرباباً يحل ما حرم الله من أجل تحليلهم له، ويحرم ما أحل الله من أجل تحريمهم له؛ فهؤلاء طواغيت، والفاعل تابع للطاغوت، قال تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) [النساء: 51]، ولم يقل: إنهم طواغيت. ودلالة الآية على التوحيد: أن الأصنام من الطواغيت التي تعبد من دون الله. والتوحيد لا يتم إلا بركنين، هما: 1- الإثبات. 2- النفي. إذ النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع المشاركة. مثال ذلك: زيد قائم، يدل على ثبوت القيام لزيد، لكن لا يدل على انفراده به. ولم يقم أحد، هذا نفي محض. ولم يقم إلا زيد، هذا توحيد له بالقيام؛ لأنه اشتمل على إثبات ونفي. قوله: "الآية" أي: إلى آخر الآية، وتقرأ بالنصب؛ إما على أنها مفعول به لفعل محذوف تقديره أكمل الآية، أو أنها منصوب بنزع الخافض؛ أي: إلى آخر الآية. ووجه الاستشهاد بهذه الآية لكتاب التوحيد: أنها دالة على إجماع الرسل عليهم الصلاة والسلام على الدعوة إلى التوحيد، وأنهم أرسلوا به؛ لقوله تعالى: (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).

وقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً). [الإسراء: 23] الآية.
الآية الثالثة قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه...) الآية. قوله: (قضى) قضاء الله - عز وجل - ينقسم إلى قسمين: 1- قضاء شرعي. 2- قضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يجوز وقوعه من المقضي عليه وعدمه، ولا يكون إلا فيما يحبه الله. مثال ذلك: هذه الآية: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) [الإسراء: 23]؛ فتكون قضى بمعنى: شرع، أو بمعنى: وصى، وما أشبههما. والقضاء الكوني: لابد من وقوعه، ويكون فيما أحبه الله، وفيما لا يحبه. مثال ذلك: قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً) [الإسراء: 4] فالقضاء هنا كوني؛ لأن الله لا يشرع الفساد في الأرض، ولا يحبه. قوله: (أن لا تعبدوا). (أن) هنا مصدرية بدليل حذف النون من تعبدوا، والاستثناء هنا مفرغ؛ لأن الفعل لم يأخذ مفعوله؛ فمفعوله ما بعد إلا. قوله: (إلا إياه) ضمير نصب منفصل واجب الانفصال؛ لأن المتصل لا يقع بعد إلا، قال ابن مالك: وذو اتصال منه ما لا يبتدا ولا يلي إلا اختياراً أبداً إشكال وجوابه: إذا قيل: ثبت أن الله قضى كوناً ما لا يحبه؛ فكيف يقضي الله ما لا يحبه؟ فالجواب: أن المحبوب قسمان: 1- محبوب لذاته. 2- محبوب لغيره. فالمحبوب لغيره قد يكون مكروهاً لذاته، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة؛ فيكون حينئذ محبوباً من وجه، مكروهاً من وجه آخر. مثال ذلك: الفساد في الأرض من بني إسرائيل في حد ذاته مكروه إلى الله؛ لأن الله لا يحب الفساد، ولا المفسدين، ولكن للحكمة التي يتضمنها يكون بها محبوباً إلى الله - عز وجل - من وجه آخر. ومن ذلك: القحط، والجدب، والمرض، والفقر؛ لأن الله رحيم لا يحب أن يؤذي عباده بشيء من ذلك، بل يريد بعباده اليسر، لكن يقدره للحكم المترتبة عليه؛ فيكون محبوباً إلى الله من وجه، مكروهاً من وجه آخر. قال الله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) [الروم: 41]. فإن قيل: كيف يتصور أن يكون الشيء محبوباً من وجه مكروهاً من وجه آخر؟ فيقال: هذا الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مُرَّة كريهة الرائحة واللون، فيشربها، وهو يكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة، ويحبها لما فيها من الشفاء، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار، ويتألم منها؛ فهذا الألم مكروه له من وجه، محبوب له من وجه أخر. فإن قيل: لماذا لم يكن قوله: (وقضي ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) من باب القضاء القدري؟ أجيب: بأنه لا يمكن؛ إذ لو كان قضاءً قدرياً لعبد الناس كلهم ربهم، لكنه قضاء شرعي قد يقع وقد لا يقع. والخطاب في الآية للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن، لكنه قال: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)، ولم يقل "أن لا تعبد"، ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) [الطلاق: 1] ؛ فالخطاب الأول للرسول صلى الله عليه وسلم والثاني عام؛ فما الفائدة من تغيير الأسلوب؟ أجيب: إن الفائدة من ذلك: 1- التنبيه؛ إذ تنبيه المخاطب أمر مطلوب للمتكلم، وهذا حاصل هنا بتغيير الأسلوب. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم زعيم أمته، والخطاب الموجه إليه موجه لجميع الأمة. 3- الإشارة إلى أن ما خوطب به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو له ولأمته؛ إلا ما دلّ الدليل على أنه مختص به. 4- وفي هذه الآية خاصة الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مربوب لا رب، عابد لا معبود؛ فهو داخل في قوله: (تعبدوا)، وكفى به شرفاً أن يكون عبداً لله - عز وجل - ولهذا يصفه الله تعالى بالعبودية في أعلى مقاماته؛ فقال في مقام التحدي والدفاع عنه: (وإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا) [البقرة: 23]، وقال في مقام إثبات نبوته ورسالته إلى الخلق: (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده) [الفرقان: 1]، وقال في مقام الإسراء والمعراج (سبحان الذي أسرى بعبده) [الإسراء: 1]، (فأوحى إلى عبده ما أوحى) [النجم: 10]. أقسام العبودية: تنقسم العبودية إلى ثلاثة أقسام: 1- عامة، وهي عبودية الربوبية، وهي لكل الخلق، قال تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) [مريم: 93]، ويدخل في ذلك الكفار. 2- عبودية خاصة، وهي عبودية الطاعة العامة، قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) [الفرقان: 63]، وهذه تعم كل من تعبد لله بشرعه. 3- خاصّة الخاصّة، وهي عبودية الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى عن نوح: (إنه كان عبداً شكوراً) [الإسراء: 3]، وقال عن محمد: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) [البقرة: 23]، وقال في آخرين من الرسل: (وأذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) [ص: 45]. فهذه العبودية المضافة إلى الرسل خاصة الخاصة؛ لأنه لا يباري أحد هؤلاء الرسل في العبودية. قوله: (وبالوالدين إحساناً) أي: قضى ربك أن نحسن بالوالدين إحسانا، والوالدان: يشمل الأم، والأب، ومن فوقهما، لكنه في الأم والأب أبلغ، وكلما قربا منك كانا أولى بالإحسان، والإحسان، بذل المعروف، وفي قوله: (وبالوالدين إحساناً) بعد قوله: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) دليل على أن حق الوالدين بعد حق الله- عز وجل -. فإن قيل: فأين حق الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أجيب: بأن حق الله متضمن لحق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله لا يعبد إلا بما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أوفٍّ) أي: كف الأذى عنهما؛ ففي قوله: (إحساناً): بذل المعروف، وفي قوله: (فلا تقل لهما أوفٍّ): كف الأذى، ومعنى "أف": أتضجر؛ لأنك إذا قلته؛ فقد يتأذّيان بذلك، وفي الآية إشارة إلى أنهما إذا بلغا الكبر صارا عبئاً على ولدهما؛ فلا يتضجر من الحال، ولا ينهرهما في المقال إذا أساءا في الفعل أو القول. قوله: (وقل لهما قولاً كريماً)، أي: لينا حسناً بهدوء وطمأنينة؛ كقولك: أعظم الله أجرك، أبشري يا أمي، أبشر يا أبي، وما أشبه ذلك؛ فالقول الكريم يكون في صيغته، وأدائه، والخطاب به، فلا يكون مزعجاً كرفع الصوت مثلاً، بل يتضمن الدعاء والإيناس لهما. والشاهد في هذه الآية: قوله تعالى: (ألا تعبدوا إلا إياه)؛ فهذا هو التوحيد لتضمنه للنفي والإثبات.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو لقمان

avatar


عدد المساهمات : 415
تاريخ التسجيل : 10/11/2015

كتاب التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: كتاب التوحيد   كتاب التوحيد Emptyالخميس ديسمبر 03, 2015 10:40 am


وقوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) [النساء: 36].
الآية الرابعة قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً...) الآية. (ولا تشركوا) في مقابل "لا إله"؛ لأنها نفي. وقوله: (واعبدوا) في مقابل "إلا إله"؛ لأنها إثبات. وقوله: (شيئاً) نكرة في سياق النهي؛ فتعم كل شيء: لا نبياً، ولا ملكاً، ولا ولياً، بل ولا أمراً من أمور الدنيا؛ فلا تجعل الدنيا شريكاً مع الله، والإنسان إذا كان همه الدنيا كان عابداً لها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة"(1). قوله: (وبالوالدين إحساناً) يقال فيها ما قيل في الآية السابقة(2). قوله: (وبذي القربى واليتامى والمساكين)؛ أي: إحساناً. وذو القربى هم من يجتمعون بالشخص في الجد الرابع. واليتامى: جَمْعُ يتيم، وهو الذي مات أبوه، ولم يبلغ. والمساكين: هم الذين عدموا المال فأسكنهم الفقر. وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به النفقة. قوله: (والجار ذي القربى والجار الجنب) الجار: الملاصق للبيت، أو من حوله، وذي القربى؛ أي: القريب، والجار الجنب؛ أي: الجار البعيد. قوله: (والصاحب بالجانب)، قيل: إنه الزوجة، وقيل: صاحبك في السفر، لأنه يكون إلى جنبك، ولكل منهما حق؛ فالآية صالحة لهما. قوله: (وما ملكت أيمانكم) هذا يشمل الإحسان إلى الأرقّاء والبهائم؛ لأن الجميع ملك اليمين. قوله: (إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً). المختال: في هيئته. والفخور: في قوله، والله لا يحب هذا ولا هذا.
* * *
وقوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً) [الأنعام: 151] الآيات.
الآية الخامسة إلى السابعة قوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم...). الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أمره الله أن يقول للناس: (تعالوا)؛ أي أقبلوا، وهلموا، وأصله من العلو كأن المنادي يناديك أن تعلو إلى مكانه، فيقول: تعالى؛ أي: ارتفع إلي. وقوله: (أتل) بالجزم جواباً للأمر في قوله: (تعالوا). وقوله: (ما حرّم ربكم عليكم) "ما" اسم موصول مفعول لأتل، والعائد محذوف، والتقدير: ما حرمه ربكم عليكم. وقال: (ربكم) ولم يقل: ما حرم الله؛ لأن الرب هنا أنسب، حيث إن الرب له مطلق التصرف في المربوب، والحكم عليه بما تقتضيه حكمته. قوله: (ألا تشركوا) أن: تفسيرية، تفسر (أتل ما حرم)؛ أي: أتلو عليكم ألا تشركوا به شيئاً، وليست مصدرية، وقد قيل به، وعلى هذا القول تكون "لا" زائدة، ولكن القول الأول أصح، أي: أتل عليكم عدم الإشراك؛ لأن الله لم يحرم علينا أن لا نشرك به، بل حرم علينا أن نشرك به، وما يؤيد أنّ "أنْ" تفسيرية أن "لا" هنا ناهية لتتناسب الجمل؛ فتكون كلها طلبية. قوله: (وبالوالدين إحساناً)، أي: وأتل عليكم الأمر بالإحسان إلى الوالدين. قوله: (ولا تقتلوا أولادكم)، بعد أن ذكر حق الأصول ذكر حق الفروع. والأولاد في اللغة العربية: يشمل الذكر والأنثى، قال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) [النساء: 11]. قوله: (من إملاق)، الإملاق: الفقر، و (من) للسببية والتعليل؛ أي: بسبب الإملاق. قوله: (نحن نرزقكم وإيّاهم)، أي: إذا أبقيتموهم؛ فإنّ الرزق لن يضيق عليكم بإبقائهم، لأن الذي يقوم بالرزق هو الله. وبدأ هنا برزق الوالدين؛ وفي سورة الإسراء بدأ برزق الأولاد، والحكمة في ذلك أنه قال هنا: (من إملاق)؛ فالإملاق حاصل، فبدأ بذكر الوالدين اللذين أملقا، وهناك قال: (خشية إملاق) [الإسراء: 31]؛ فهما غنيان، لكن يخشيان الفقر، فبدأ برزق الأولاد قبل رزق الوالدين. وتقييد النهي عن قتل الأولاد بخشية الإملاق بناءٍ على واقع المشركين غالباً، فلا مفهوم له. قوله: (ولا تقربوا الفواحش)، لم يقل: لا تأتوا؛ لأن النهي عن القرب أبلغ من النهي عن الإتيان؛ لأن النهي عن القرب نهي عنها، وعما يكون ذريعة إليها، ولذلك حَرُم على الرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية، وأن يخلو بها، وأن تسافر المرأة بلا محرم؛ لأن ذلك يقرب من الفواحش. قوله: (ما ظهر منها وما بطن)، قيل: ما ظهر فحشه، وما خفي؛ لأن الفواحش منها شيء مستفحش في نفوس جميع الناس، ومنها شيء فيه خفاء. وقيل: ما أظهرتموه، وما أسررتموه، فالإظهار: فعل الزنا - والعياذ بالله - مجاهرةً، والإبطان فعله سراً. وقيل: ما عظم فحشه، وما كان دون ذلك؛ لأنّ الفواحش ليست على حد سواء، ولهذا جاء في الحديث: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"(1)، وهذا يدل على أن الكبائر فيها أكبر وفيها ما دون ذلك. قوله: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، النفس التي حرم الله: هي النفس المعصومة، وهي نفس المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن؛ بكسر الميم. والحق: ما أثبته الشرع. والباطل: ما نفاه الشرع. فمن الحق الذي أثبته الشرع في قتل النفس المعصومة أن يزني المحصن فيرجم حتى يموت، أو يقتل مكافئه، أو يخرج على الجماعة، أو يقطع الطريق؛ فإنه يقتل، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثّيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة"(2). وقال هناك: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، وقال قبلها: (ولا تقتلوا أولادكم)؛ فيكون النهي عن قتل الأولاد مكرراً مرتين: مرة بذكر الخصوص، ومرة بذكر العموم. وقوله: (ذلكم وصاكم به)، المشار إليه ما سبق، والوصية بالشيء هي العهد به على وجه الاهتمام، ولهذا يقال: وصيته على فلان؛ أي: عهدت به إليه ليهتم به. قوله: (تعقلون)، العقل هنا: حسن التصرف، وأما في قوله تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) [الزخرف: 3]، فمعناه: تفهمون. وفي هذا دليلٌ على أن هذه الأمور إذا التزم بها الإنسان؛ فهو عاقل رشيد، وإذا خالفها؛ فهو سفيه ليس بعاقل. وقد تضمنت هذه الآية خمس وصايا: الأولى : توحيد الله. الثانية : الإحسان بالوالدين. الثالثة : أن لا نقتل أولادنا. الرابعة: أن لا نقرب الفواحش. الخامسة : أن لا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)، قوله: (ولا تقربوا) هذا حماية لأموال اليتامى أن لا نقربها إلا بالخصلة التي هي أحسن؛ فلا نقربها بأي تصرف إلا بما نرى أنه أحسن، فإذا لاح للولي تصرفان أحدهما أكثر ربحاً؛ فالواجب عليه أن يأخذ بما هو أكثر ربحاً لأنه أحسن. والحسن هنا يشمل: الحسن الدنيوي، والحسن الديني، فإذا لاح تصرفان أحدهما أكثر ربحاً وفيه رباً، والآخر أقل ربحاً وهو أسلم من الربا؛ فنقدم الأخير؛ لأن الحسن الشرعي مقدم على الحسن الدنيوي المادي. قوله: (حتى يبلغ أشده)، (حتى) هنا: حرف غاية؛ فما بعدها مخالف لما قبلها. أي: إذا بلغ أشده؛ فإننا ندفعه إليه بعد أن نختبره، وننظر في حسن تصرفه، ولا يجوز لنا أن نبقيه عندنا. ومعنى أشده: قوته العقلية والبدنية، والخطاب هنا لأولياء اليتامى أو للحاكم على قول بعض أهل العلم، وبلوغ الأشد يختلف، والمراد به هنا الأشد الذي يكون به التكليف، وهو تمام خمسة عشرة سنة، أو إنبات العانة أو الإنزال. قوله: (وأوفوا الكيل والميزان)، أي: أوفوا الكيل إذا كلتم فيما يكال من الأطعمة والحبوب. وأوفوا الميزان: إذا وزنتم فيما يوزن؛ كاللحوم مثلاً. والأمر بالإيفاء شاملٌ لجميع ما تتعامل به مع غيرك؛ فيجب عليك أن توفي بالكيل والوزن وغيرهما في التعامل. قوله: (بالقسط)، أي: بالعدل، ولما كان قوله: (بالقسط) قد يشق بعض الأحيان؛ لأن الإنسان قد يفوته أن يوفي الكيل أو الوزن أحياناً، أعقب ذلك بقوله: (لا نكلف نفساً إلا وسعها)، أي: طاقتها، فإذا بذل جهده وطاقته، وحصل النقص؛ فلا يعد مخالفاً؛ لأن ما خرج عن الطاقة معفو عنه فيه، كما أن هذه الجملة تفيد العفو من وجه، وهو ما خرج عن الوسع؛ فإنها تفيد التغليظ من وجه، وهو أن على المرء أن يبذل وسعه في الإيفاء بالقسط، ولكن منى تبين الخطأ وجب تلافيه لأنه داخل في الوسع.

قوله: (وإذ قلتم فاعدلوا)، معناه: أي قول تقوله؛ فإنه يجب عليك أن تعدل فيه، سواء كان ذلك لنفسك على غيرك، أو لغيرك على نفسك، أو لغيرك على غيرك، أو لتحكم بين اثنين؛ فالواجب العدل؛ إذ العدل في اللغة الاستقامة، وضده الجور والميل، فلا تمل يميناً ولا شمالاً، ولم يقل هنا (لا نكلف نفساً إلا وسعها)؛ لأن القول لا يشق فيه العدل غالباً. قوله: (ولو كان ذا قربى)، أي: المقول له ذا قرابة، أي: صاحب قرابة، فلا تحابيه لقرابته، فتميل معه على غيره من أجله؛ فأجعل أمرك إلى الله - عزّ وجلّ- الذي خلقك، وأمرك بهذا، وإليه سترجع. ويسألك - عز وجل - ماذا فعلت في هذه الأمانة. وقد أقسم أشرف الخلق، وسيد ولد آدم، وأعدل البشر، محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: "وايم الله؛ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها"(1). قوله: (وبعهد الله أوفوا)، قدم المتعلق؛ للاهتمام به، وعهد الله: ما عهد به إلى عباده، وهي عبادته سبحانه وتعالى والقيام بأمره؛ كما قال عز وجل: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً) [المائدة: 12]، هذا ميثاق من جانب المخلوق، وقوله تعالى: (لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار) [المائدة: 12]، هذا من جانب الله - عز وجل -. قوله: (ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون)، هذه الآية الكريمة فيها أربع وصايا من الخالق عز وجل: الأولى: أن لا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. الثانية: أن نوفي الكيل والميزان بالقسط. الثالثة: أن نعدل إذا قلنا. الرابعة: أن نوفي بعهد الله. والآية الأولى فيها خمس وصايا. صار الجميع تسع وصايا. ثم قال عز وجل: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه)، هذه هي الوصية العاشرة، فقوله: (وأن هذا صراطي) يحتمل أن المشار إليه ما سبق؛ لأنك لو تأملته وجدته محيطاً بالشرع كله؛ إما نصاً، وإما إيماءً، ويحتمل أن المراد به ما علم من دين الله؛ أي: هذا الذي جاءكم به الرسول صلى الله عليه وسلم هو صراطي؛ أي: الطريق الموصل إليه سبحانه وتعالى. والصراط يضاف إلى الله - عز وجل ـ، ويضاف إلى سالكه؛ ففي قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم) [الفاتحة: 7] هنا أضيف إلى سالكه، وفي قوله تعالى: (صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) [الشورى: 53] هنا أضيف إلى الله - عز وجل - ؛ فإضافته إلى الله - عز وجل - لأنه موصل إليه، ولأنه هو الذي وضعه لعباده - جل وعلا ـ، وإضافته إلى سالكه لأنهم هم الذين سلكوه. قوله: (مستقيماً) هذه حال من "صراط"؛ أي: حال كونه مستقيماً لا اعوجاج فيه فاتبعوه. قوله (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) السبل؛ أي: الطرق الملتوية الخارجة عنه. وتفرق: فعل مضارع منصوب بأن بعد فاء السببية، لكن حذفت منه تاء المضارعة، وأصلها: "تتفرق"، أي أنكم إذا اتبعتم السبل تفرقت بكم عن سبيله، وتشتت بكم الأهواء وبعدت. وهنا قال: (السبل): جمع سبيل، وفي الطريق التي أضافها الله إلى نفسه قال: (سبيله) سبيل واحد؛ لأن سبيل الله - عز وجل - واحد، وأما ما عداه؛ فسبل متعددة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة"(1)؛ فالسبيل المنجي واحد، والباقية متشعبة متفرقة، ولا يرد على هذا قوله تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) [المائدة: 16]، لأن "سبل" في الآية الكريمة؛ وإن كانت مجموعة؛ لكن أضيفت إلى السلام فكانت منجية، ويكون المراد بها شرائع الإسلام. وقوله: (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)، أي: ذلك المذكور وصاكم لتنالوا به درجة التقوى، والالتزام بما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. * * * قال ابن مسعود: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمة؛ فليقرأ قوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً….) إلى قوله: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) [الأنعام: 151 - 153] الآية(1).
قوله: قال ابن مسعود: "من أراد..." إلخ. الاستفهام هنا للحث والتشويق، واللام في قوله: "فليقرأ" للإرشاد. قوله: "وصية محمد"، الوصية بمعنى العهد، ولا يكون العهد وصية إلا إذا كان في أمر هام. وقوله: "محمد صلى الله عليه وسلم"، أي: رسول الله محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي صلى الله عليه وسلم، وهذا التعبير من ابن مسعود يدل على جواز مثله، مثل: قال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصية محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ينافي قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) [النور: 63]؛ لأن دعاء الرسول هنا أي: مناداته؛ فلا تقولوا عند المناداة: يا محمد! ولكن قولوا: يا رسول الله! أما الخبر؛ فهو أوسع من باب الطلب، ولهذا يجوز أن تقول: أنا تابعٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو اللهم! صل على محمد، وما أشبه ذلك. قوله: "التي عليها خاتمه"، الخاتم بمعنى التوقيع. وقوله: "وصية محمد صلى الله عليه وسلم" ليست وصية مكتوبة مختوماً عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص بشيء، ويدل لذلك: أن أبا جحيفة سأل علي بن أبي طالب: هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: لا. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله تعالى في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قيل: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر(1). فلا يظنّ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهذه الآيات وصية خاصة مكتوبة، لكن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن هذه الآيات قد شملت الدين كلّه؛ فكأنها الوصية التي ختم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبقاها لأمته. وهي آيات عظيمة، إذا تدبرها الإنسان وعمل بها؛ حصلت له الأوصاف الثلاثة الكاملة: العقل، والتذكر، والتقوى. وقوله: "فليقرأ قوله تعالى..." إلخ الآيات سبق الكلام عليها.
* * *
وعن معاذ بن جبل )رضي الله عنه(؛ قال: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال لي: "يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. قوله: "رديف" بمعنى رادف؛ أي: راكب معه خلفه؛ فهو فعيل بمعنى فاعل، مثل: رحيم بمعنى راحم، وسميع بمعنى سامع. قوله: "على حمار" ، أي: أهلي؛ لأن الوحشي لا يركب. قوله: "أتدري"، أي : أتعلم. قوله: "ما حق الله على العباد؟"، أي: ما أوجبه عليهم، وما يجب أن يعاملوه به، وألقاه على معاذ بصيغة السؤال؛ ليكون أشد حضوراً لقلبه حتى يفهم ما يقول صلى الله عليه وسلم. قوله: "وما حق العباد على الله؟"، أي: ما يجب أن يعاملهم به، والعباد لم يوجبوا شيئاً، بل الله أوجبه على نفسه فضلاً منه على عباده، قال تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) [الأنعام: 54]. فأوجب سبحانه على نفسه أن يرحم من عمل سوءاً بجهالة؛ أي: بسفه وعدم حسن تصرف ثم تاب من بعد ذلك وأصلح. ومعنى كتب؛ أي: أوجب. قوله: "قلت: الله ورسوله أعلم"، لفظ الجلالة الله: مبتدأ، و"رسوله": معطوف عليه، وأعلم: خبر المبتدأ، وأفرد الخبر هنا مع أنه لاثنين؛ لأنه على تقدير: "مِنْ"، واسم التفضيل إذا كان على تقدير: "مِنْ"؛ فإن الأشهر فيه الإفراد والتذكير. والمعنى: أعلم من غيرهما، وأعلم مني أيضاً. قوله: "يعبدوه"، أي: يتذللوا له بالطاعة. قوله: "ولا يشركوا به شيئاً"، أي: في عبادته وما يختص به، وشيئاً نكرة في سياق النفي؛ فتعم كل شيء لا رسولاً ولا ملكاً ولا ولياً ولا غيرهم.
* * *
وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً". قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا". أخرجاه في "الصحيحين"(1). وقوله: "وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً"، وهذا الحق تفضل الله به على عباده، ولم يوجبه عليه أحد، ولا تظن أن قوله: "من لا يشرك به شيئاً" أنه مجرد عن العبادة؛ لأن التقدير: من يعبده ولا يشرك به شيئاً، ولم يذكر قوله: "من يعبده"؛ لأنه مفهوم من قوله: "وحق العباد"، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابداً. ومن لم يعبد الله ولم يشرك به شيئاً؛ هل يعذب؟ الجواب: نعم، يعذب؛ لأن الكلام فيه حذف، وتقديره: من يعبده ولا يشرك به شيئاً، ويدل لهذا أمران: الأول: قوله: "حق العباد"، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابداً. الثاني: أن هذا في مقابل قوله فيما تقدم: "أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً"؛ فعلم أن المراد بقوله: "لا يشركوا به شيئاً"؛ أي: في العبادة. قوله: "أفلا أبشر الناس"، أي: أأسكت فلا أبشر الناس؟ ومثل هذا التركيب: الهمزة ثم حرف العطف ثم الجملة لعلماء النحو فيه قولان: الأول: أنّ بين الهمزة وحرف العطف محذوفاً يقدر بما يناسب المقام، وتقديره هنا: أأسكت فلا أبشر الناس؟. الثاني: أنه لا شيء محذوف، لكن هنا تقديم وتأخير، وتقديره: فألا أبشر؟ فالجملة معطوفة على ما سبق، وموضع الفاء سابق على الهمزة؛ فالأصل: فألا أبشر الناس؟ لكن لما كان مثل هذا التركيب ركيكاً، وهمزة الاستفهام لها الصدارة؛ قدمت على حرف العطف، ومثل ذلك قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) [الغاشية: 17]، وقوله تعالى: (أفلا تبصرون) [السجدة: 27] وقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض) [الحج: 46]. والبشارة: هي الإخبار بما يسر. وقد تستعمل في الإخبار بما يضر، ومنه قوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم) [الانشقاق: 24]، لكن الأكثر الأول. قوله: "لا تبشرهم"، أي: لا تخبرهم، ولا ناهية. ومعنى الحديث أن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، وأن المعاصي تكون مغفورة بتحقيق التوحيد، ونهى صلى الله عليه وسلم عن إخبارهم؛ لئلا يعتمدوا على هذه البشرى دون تحقيق مقتضاها؛ لأن تحقيق التوحيد يستلزم اجتناب المعاصي؛ لأن المعاصي صادرة عن الهوى، وهذا نوع من الشرك، قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) [الجاثية: 23].


--------------------------------------------------------------------------------

(1) البخاري: كتاب الحدود/ باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، ومسلم: كتاب الحدود/ باب قطع السارق الشريف. (2) مسند الإمام أحمد (2/332)، (3/145)، (4/120)، وسنن أبي داود (4596)، والترمذي (2640)، وابن ماجة(3991)، والحاكم وصححه (1/128). (1) الترمذي (أبواب تفسير القرآن، 8/230)، وقال: "حديث حسن غريب". (1) البخاري: كتاب الديات/باب العاقلة. (1) البخاري: كتاب الجهاد/باب اسم الفرس والحمار، ومسلم: كتاب الإيمان/باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو لقمان

avatar


عدد المساهمات : 415
تاريخ التسجيل : 10/11/2015

كتاب التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: كتاب التوحيد   كتاب التوحيد Emptyالخميس ديسمبر 03, 2015 10:48 am

القول المفيد - المجلد الأول : كتاب التوحيد - 5 محمد بن صالح العثيمين
-------------
فضيلة التوحيد ، وأنه مانع من عذاب الله فيه مسائل الأولى: الحكمة من خلق الجن والإنس. الثانية: أن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه. المسائل:
الأولى: الحكمة من خلق الجن والإنس، أخذها رحمه الله من قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56]؛ فالحكمة هي عبادة الله لا أن يتمتعوا بالمآكل والمشارب والمناكح. الثانية: أن العبادة هي التوحيد، أي: أن العبادة مبنية على التوحيد؛ فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعباده، لاسيما أن بعض السلف فسروا قوله تعالى: (إلا ليعبدون): إلا ليوحدون. وهذا مطابق تماماً لما استنبطه المؤلف رحمه الله من أن العبادة هي التوحيد؛ فكل عبادة لا تبنى على التوحيد فهي باطلة، قال صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه"(1). وقوله: "لأن الخصومة فيه"، أي: في التوحيد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش؛ فقريش يعبدون الله يطوفون له ويصلون، ولكن على غير الإخلاص والوجه الشرعي؛ فهي كالعدم لعدم الإتيان بالتوحيد، قال تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) [التوبة: 54]. * * *
الثالثة: أن من لم يأت به، لم يعبد الله، ففيه معنى قوله: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) [الكافرون: 3].
الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.
الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة.
وقوله في الثالثة: ففيه معنى قوله: (ولا أنتم عابدون ما أعبد)، لستم عابدين عبادتي؛ لأن عبادتكم مبنية على الشرك، فليست بعبادة لله تعالى.
الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل، أخذها رحمه الله تعالى من قوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل: 36]. فالحكمة هي: الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب عبادة الطاغوت.
الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة، أخذها من قوله تعال: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً) [النحل: 36].
* * *
السادسة: أن دين الأنبياء واحد. السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلى بالكفر بالطاغوت؛ ففيه معنى قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت…) [البقرة: 256].
السادسة: أن دين الأنبياء واحد، أخذها من قوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، ومثله قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء: 25]، وهذا لا ينافى قوله تعالى : (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) [المائدة: 48]؛ لأن الشرعة العملية تختلف باختلاف الأمم والأماكن والأزمنة، وأما أصل الدين؛ فواحد، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) [الشورى: 13].
السابعة: المسالة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت .ودليله قوله تعالى: (واجتنبوا الطاغوت)، فمن عبَدَ الله ولم يكفر بالطاغوت؛ فليس بموحد، ولهذا جعل المؤلف رحمه الله هذه المسألة كبيرة؛ لأن كثيراً من المسلمين جهلها في زمانه وفي زماننا الآن. تنبيه لا يجوز إطلاق الشرك أو الكفر أو اللعن على من فعل شيئاً من ذلك؛ لأن الحكم بذلك في هذه وغيرها له أسباب وله موانع؛ فلا نقول لمن أكل الربا: ملعون؛ لأنه قد يوجد مانع يمنع من حلول اللعنة عليه؛ كالجهل مثلاً، أو الشبهة، وما أشبه ذلك، وكذا الشرك لا نطلقه على من فعل شركاً؛ فقد تكون الحجة ما قامت عليه بسبب تفريط علمائهم، وكذا نقول: من صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين، إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه. فإذا رأينا شخصاً يتبرز في الطريق؛ فهل نقول له: لعنك الله؟ الجواب: لا، إلا إذا أريد باللعن في قوله: "اتقوا الملاعن"(1) أن الناس أنفسهم يلعنون هذا الشخص ويكرهونه، ويرونه مخلاً بالأدب مؤذياً للمسلمين؛ فهذا شيء أخر. فدعاء القبر شرك، لكن لا يمكن أن نقول لشخص معين فعله: هذا مشرك؛ حتى نعرف قيام الحجة عليه، أو نقول: هذا مشرك باعتبار ظاهر حاله.
* * *
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله. التاسعة: عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف، وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله. فكل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت، وقد عرّفه ابن القيم: بأنه كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فالمعبود كالصنم، والمتبوع كالعالم، والمطاع كالأمير.
التاسعة: عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام، المحكمات؛ أي: التي ليس فيها نسخ، أخذ ذلك من قول ابن مسعود رضي الله عنه. * * * العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشر مسألةً، بدأها الله بقوله تعالى: (لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً) [الإسراء: 22]. وختمها بقوله تعالى: (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنّم ملوماً مدحوراً) [الإسراء: 39]، ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) [الإسراء: 39].
العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء. وهي قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) [الإسراء: 23]، وفيها ثماني عشرة مسألة بدأها بقوله تعالى: (لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً)، وختمها بقوله تعالى: (ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً). وقد نبهنا الله - سبحانه - على عظم شأن هذه المسائل بقوله تعالى: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة). فبدأها الله بالنهي عن الشرك بقوله تعالى: (لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً)، والقاعد ليس قائماً؛ لأنه لا خير لمن أشرك بالله، مذموماً عند الله وعند أوليائه، مخذولاً لا ينتصر في الدنيا ولا في الآخرة. وختمها بقوله: (ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً) [الإسراء: 39]، فهذه عقوبته عندما يلقى في النار كلٌّ يلومه ويدحره فيندحر والعياذ بالله.
* * *
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) [النساء: 36]، الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته. الثالثة عشرة: معرفة حق الله علينا.
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها بقوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً)، فأحق الحقوق حق الله، ولا تنفع الحقوق إلا بهP فبدئت هذه الحقوق به، ولهذا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام عمن كان يتصدق ويعتق ويصل رحمه في الجاهلية هل له من أجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من الخير"(1) ؛ فدل على أنه إذا لم يسلم لم يكن له أجر ، فصارت الحقوق كلها لا تنفع إلا بتحقيق حق الله .
الثانية عشرة :التنبيه على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته . وذلك من حديث ابن مسعود رضى الله عنه(2) ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص بها حقيقةً، بل أشار إلى أننا إذا تمسكنا بكتاب الله؛ فلن نضلّ بعده، ومن أعظم ما جاء به كتاب الله قوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم) [الأنعام: 151].
الثالثة عشرة: معرفة حق الله علينا. وذلك بأن نعبده ولا نشرك به شيئاً.
* * *
الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه. الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة. السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.
الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقّه. وذلك بأن لا يعذّب من لا يشرك به شيئاً، أما من أشرك؛ فإنه حقيقٌ أن يعذّب.
الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة. وذلك أن معاذاً أخبر بها تأثماً، أي خروجاً من إثم الكتمان عند موته بعد أن مات كثيرٌ من الصحابة؛ وكأنه رضي الله عنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن يفتتن الناس بها ويتكلوا، ولم يرد صلى الله عليه وسلم كتمها مطلقاً؛ لأنه لو أراد ذلك لم يخبر بها معاذاً ولا غيره.
السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة. هذه ليست على إطلاقها؛ إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لا يجوز لأنه ليس بمصلحة، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً ولم يكتم ذلك مطلقاً، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص لا على سبيل الإطلاق؛ فجائزٌ للمصلحة؛ كما كتم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عن بقية الصحابة خشية أن يتّكلوا عليه، وقال لمعاذ: "لا تبشّرهم فيتّكلوا"(1). ونظير هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "بشّر الناس أن من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنّة(2)" بل قد تقتضي المصلحة ترك العمل؛ وإن كان فيه مصلحة لرجحان مصلحة الترك، كما هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم، ولكن ترك ذلك خشية افتتان الناس، لأنهم حديثو عهد بكفرٍ(3).
* * *
السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسرّه. الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
السابعة عشرة: استجاب بشارة المسلم بما يسره. لقوله: "أفلا أبشّر الناس؟"، وهذه من أحسن الفوائد.
الثامنة عشرة: الخوف من الاتّكال على سعة رحمة الله. وذلك لقوله: "لا تبشّرهم فيتكلوا"، لأن الاتّكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله. وكذلك القنوط من رحمة الله يبعد الإنسان من التوبة ويسبب اليأس من رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد: "ينبغي أن يكون سائراً إلى الله بين الخوف والرجاء؛ فأيهما غلب هلك صاحبه" فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله. وقال بعض العلماء: إن كان مريضاً غلّب جانب الرجاء، وإن كان صحيحاً غلّب جانب الخوف. وقال بعض العلماء: إذا نظر إلى رحمة الله وفضله غلّب جانب الرّجاء، وإذا نظر إلى فعله وعمله غلب جانب الخوف لتحصل التوبة. ويستدلون بقوله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) [المؤمنون: 60]؛ أي: خائفة أن لا يكون تقبّل منهم لتقصير أو قصور، وهذا القول جيد، وقيل: يغلب الرجاء عند فعل الطاعة ليحسن الظن بالله، ويغلب جانب الخوف إذا هم بالمعصية لئلا ينتهك حرمات الله. وفي قوله: "أفلا أبشّر الناس؟"(1) دليل على أن التبشير مطلوب فيما يسرّ من أمر الدين والدنيا ، ولذلك بشّرت الملائكة إبراهيم ، قال تعالى : (وبشّروه بغلام عليم) [الذريات: 28] ، وهو إسحاق، والحليم إسماعيل، وبشّر النبي صلى الله عليه وسلم أهله بابنه إبراهيم، فقال: "ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم"(2)؛ فيؤخذ منه أنه ينبغي للإنسان إدخال السرور على إخوانه المسلمين ما أمكن بالقول أو بالفعل؛ ليحصل له بذلك خيرٌ كثيرٌ وراحة وطمأنينة قلب وانشراح صدر. وعليه، فلا ينبغي أن يدخل السوء على المسلم، ولهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحدثني أحدٌ عن أحد بشيء، فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر"(3) وهذا الحديث فيه ضعفٌ، لكن معناه صحيح؛ لأنه إذا ذكر عندك رجلٌ بسوءٍ؛ فسيكون في قلبك عليه شيءٌ ولو أحسن معاملتك، لكن إذا كنت تعامله وأنت لا تعلم عن سيئاته، ولا محذور في أن تتعامل معه؛ كان هذا طيباً، وربما يقبل منك النصيحة أكثر، والنفوس ينفر بعضها من بعضٍ قبل الأجسام، وهذه مسائل دقيقةٌ تظهر للعاقل بالتأمّل.
* * *
التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.
التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم، وذلك لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما قالها، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذٍ، حيث عطف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الله بالواو، وأنكر على من قال: "ما شاء الله وشئت"، وقال: "أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده"(4) فيُقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عنده من العلوم الشرعية ما ليس عند القائل، ولهذا لم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على معاذ. بخلاف العلوم الكونية القدرية؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده علم منها. فلو قيل: هل يحرم صوم العيدين؟ جاز أن نقول: الله ورسوله أعلم، ولهذا كان الصحابة إذا أشكلت عليهم المسائل ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبينها لهم، ولو قيل: هل يتوقع نزول مطر في هذا الشهر؟ لم يجز أن نقول: الله ورسوله أعلم، لأنه من العلوم الكونية.
* * *
العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض. الحادية والعشرون: تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه. الثانية والعشرون: جواز الأرداف على الدابة.
العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض. وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص هذا العلم بمعاذ دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. فيجوز أن نخصص بعض الناس بالعلم دون بعض، حيث أن بعض الناس لو أخبرته بشيء من العلم افتتن، قال ابن مسعود: "إنك لن تحدث قوماً بحدث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(1)، وقال علي: "حدثوا الناس بما يعرفون"(2)، فيحدث كل أحد حسب مقدرته وفهمه وعقله.
الحادية والعشرون: تواضعه صلى الله عليه وسلم لكروب الحمار مع الإرداف عليه. النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق جاهاً، ومع ذلك هو أشد الناس تواضعاً. حيث ركب الحمار وأردف عليه، وهذا في غاية التواضع؛ إذ إن عادة الكبراء عدم الإرداف، وركب صلى الله عليه وسلم الحمار، ولو شاء لركب ما أراد، ولا منقصة في ذلك؛ إذ إن من توضع لله - عز وجل - رفعه.
الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف معاذاً، لكن يشترط للإرداف أن لا يشق على الدابة، فإن شق؛ لم يجز ذلك. * * * الثالثة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة. الرابعة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل.
الثالثة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة. حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً، وجعلها من الأمور التي يبشر بها.
الرابعة والعشرون: فضيلة معاذ رضي الله عنه. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بهذا العلم، وأردفه معه على الحمار.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) البخاري: كتاب الأدب/ باب شراء من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده. (2) مسلم: كتاب الإيمان/باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة. (3) البخاري: كتاب العلم/ باب ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، ومسلم: كتاب الحج/باب نقض الكعبة. (1) سبق تخريجه (ص 34) (2) مسلم: كتاب الفضائل/باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال. (3) مسند الإمام أحمد 1/396، وقال أحمد شاكر: إسناده حسن على الأقل. وسنن أبي داود: كتاب الأدب/باب في رفع الحديث من المجلس، - وسكت عنه - . (4) مسند الإمام أحمد (1/214)، وابن ماجة: كتاب الكفارات/باب النهي أن يقال: ما شاء الله وشئت، وقال أحمد شاكر، إسناده صحيح (1839). (1) رواه: مسلم: المقدمة/ باب النهي عن الحديث بكل ما سمع. (2) البخاري: كتاب العلم/ باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد بن عبدالتواب
زائر
Anonymous



كتاب التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب التوحيد   كتاب التوحيد Emptyالثلاثاء يناير 05, 2016 1:13 pm

جزاك الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد كريم
زائر
Anonymous



كتاب التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب التوحيد   كتاب التوحيد Emptyالثلاثاء يناير 05, 2016 8:06 pm

نفع الله بك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمود اليمني
زائر
Anonymous



كتاب التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب التوحيد   كتاب التوحيد Emptyالثلاثاء يناير 05, 2016 9:43 pm

جزاك الله خيرا
ملف تحميل بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو لقمان

avatar


عدد المساهمات : 415
تاريخ التسجيل : 10/11/2015

كتاب التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب التوحيد   كتاب التوحيد Emptyالأربعاء يناير 06, 2016 5:14 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أخي الكريم
أنقر هنا أخي لتحميل الجزء الأول
أنقر هنا أخي لتحميل الجزء الثاني
أنقر هنا أخي لتحميل الجزء الثالث

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب التوحيد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح كتاب التوحيد
» كتاب: كلمة التوحيد '' لا إله إلا الله '' فضائلها ومدلولها وشروطها ونواقضها
» شرح كتاب التوحيد كاملا:(بصوت صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ) 69 شريط MP3
» فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد .....الذي هو حق الله على العبيد
» شرح كتاب عقيدة التوحيد للشيخ الفوزان شرح الشيخ صلاح الدين بن عبدالموجود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الرسالة :: المـلــتــقــى الـعـــام :: مــنــتــدى الحوار الإسلامي - للنقاشات - والإستفسارات - وقضايا الأمة-
انتقل الى:  

Loading...

  
 

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2015 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. دعم فني
كتاب التوحيد Cron